الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
: هذه الدار عند باب سرّ القلعة المطل على سوق الخيل عمّرها الملك الظاهر بيبرس البندقداري في سنة أربع وستين وستمائة وعمل بها في جمادى الأولى منها دعوة للأمراء عند فراغها. خزانة الكتب: وقع بها الحريق يوم الجمعة رابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة فتلف بها من الكتب في الفقه والحديث والتاريخ وعامة العلوم شيء كثير جدًا كان من ذخائر الملوك فانتهبها الغلمان وبيعت أوراقًا محرّقة ظفر الناس منها بنفائس غريبة ما بين ملاحم وغيرها وأخذوها بأبخس الأثمان. القاعة الصالحية: عمّرها الملك الصالح نجم الدين أيوب وكانت سكن الملوك إلى أن أُحترقت في سادس ذي الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة واحترق معها الخزانة السلطانية. باب النحاس: هذا الباب من داخل الستارة وهو أجل أبواب الدور السلطانية عمّره الناصر محمد بن قلاون وزاد في سعة دهليزه. باب القلة: عرف بذلك من أجل أنه كان هناك قلة بناها الملك الظاهر بيبرس وهدمها الملك المنصور قلاون في يوم الأحد عاشر شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة وبنى مكانها قبة فرغت عمارتها في شوّال منها ثم هدمها الملك الناصر محمد بن قلاون وجدّد باب القلة على ما هو عليه الآن وعمل له بابًا ثانيًا. الرفرف: عمّره الملك الأشرف خليل بن قلاون وجعله عاليًا يشرف على الجيزة كلها وبيّضه وصور فيه أمراء الدولة وخواصها وعقد عليه قبة على عمد وزخرفها وكان مجلسًا يجلس فيه السلطان واستمرّ جلوس الملوك به حتى هدمه الملك الناصر حمد بن قلاون في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وعمل بجواره برجًا بجوار الإصطبل نقل إليه المماليك. الجب: كان بالقلعة جب يحبس فيه الأمراء وكان مهولًا مظلمًا كثير الوطاويط كريه الرائحة يقاسي المسجون فيه ما هو كالموت أو أشدّ منه عمره الملك المنصور قلاون في سنة إحدى وثمانين وستمائة فلم يزل إلى أن قام الأمير بكتمر الساقي في أمره مع الملك الناصر محمد بن قلاون حتى أخرج من كان فيه من الحابيس ونقلهم إلى الأبراج وردمه وعمّر فوق الردم طباقًا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة. الطبلخاناه تحت القلعة: ذكر هشام بن الكلبيّ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام تلقاه المقلسون من أهل الأديان بالسيوف والريحان فكره عمر رضي الله عنه النظر إليهم وقال: ردّوهم. فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إنها سنة الأعاجم فإن منعتهم ظنوا أنه نقض لعهدهم. فقال عمر رضي الله عنه: دعوهم والتقليس: الضرب بالطبل أو الدف. وهذه الطبلخاناه الموجودة الآن تحت القلعة فيما بين باب السلسلة وباب المدرج كانت دار العدل القديمة التي عمرها الملك الظاهر بيبرس وتقدّم خبرها. فلما كانت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة هدمها الناصر محمد بن قلاون وبناها هذه الطبلخاناه الموجودة الآن تحت قلعة الجبل فيما بين باب السلسلة وباب المدرج وصار ينزل إلى عمارتها كلّ قليل وتولى شدّ العمارة بها آق سنقر شادّ العمائر ووجد في أساسها أربعة قبور كبار المقدار عليها قطع رخام منقوش عليها أسماء المقبورين وتاريخ وفاتهم فنبشوا ونقلوا قريبًا من القلعة فكانوا خلقًا كبيرًا عظيمًا في الطول والعرش على بعضهم ملاءة ديبقية ملوّنة ساعة مستها الأيدي تمزقت وتطايرت هباء وفيهم اثنان عليهما آلة الحرب وعدّة الجهاد وبهما آثار الدماء والجراحات وفي وجه أحدهما ضربة سيف بين عينيه والجرح مسدود بقطنة فلما أمسكت القنطة ورفت عن الجرح فوق الحاجب نبع من تحتها دم يُظنّ أنه جرح طريّ فكان في ذلك موعظة وذكرى وكانت الطبلخاناه ساحة بغير سقف فلما ولي الأمير سودون داز أمير أخور وسكن الإصطبل السلطانيّ عمّر هذه الطباق فوق الطباق وكان الغرض من عمارتها صحيحًا فن المدرسة الأشرفية كانت حينئذ قائمة تاجه الطبلخاناه ولما كان زمان الفتن بين أمراء الدولة تحصن فوقها طائفة ليرموا على الإصطبل والقلعة فأراد بناء هذه الطباق فوق الطباق أن يجعل بها رماة حتى لايقدر أحد يقيم فوق المدرسة الأشرفية وقد بطل ذلك فإن الملك الناصر فرج بن برقوق هدم المدرسة الأشرفية كما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر المدارس. الطباق بساحة الإيوان: عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاون وأسكنها المماليك السلطانية وعمر حارة تختص بهم وكانت الملوك تعني بها غاية العناية حتى أن الملك المنصور قلاون كان يخر في غالب أوقاته إلى الرحبة عند استحقاق حضور الطعام للمماليك ويمر بعرضه عليه ويتفقد لحمهم وختبر طعامهم في جودته ورداءته فمتى رأى فيه عيبًا اشتدّ على المشرف والاستادار ونهرهما وحلّ بهما منه أيّ مكروه وكان يقول: كلّ الملوك عملوا شيئًا يذكرون به ما بين مال وعقار وأنا عمّرت أسوارًا وعملت حصونًا مانعة ولي ولأولادي وللمسلمين وهم المماليك وكانت المماليك أبدًا تقيم بهذه الطبقات لا تبرح فيها فلما تسلطن الملك الأشرف خليل بن قلاون سمح للمماليك أن ينزلوا من القلعة ي النهار ولا يبتوا إلا بها فكان لا يقدر أحد منهم أن يبيت بغيرها ثم أنّ الملك الناصر محمد بن قلاون سمح لم بالنزول إلى الحمام يوماص في الأسبوع فكانوا ينمزلون بالنوبة مع الخدّام ثم يعودون آخر نهارهم ولم يزل هذا حالهم إلى أن انقرضت أيام بني قلاون وكانت للمماليك بهذه الطباق عادات جميلة أوّلها أنه إذا قدم بالمملوك تاجره عرضه على السلطان ونزله في طبقات جنسه وسلمه لطواشيّ برسم الكتابة فأوّل ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إلى من القرآن الكريم وكانت كلّ طائفة لها فقيه بحضر إليها كل يوم ويأخذ في تعليمها كتاب الله تعالى ومعرفة الخط والتمرن بآداب الشريعة وملازمة الصلوات والأذكار وكان الرسم إذ ذاك أن لا تجلب التجار إلا المماليك الصغار فإذا شبّ الواحد من المماليك علّمه الفقيه شيئًا من الفقه وأقرأه فيه مقدّمه فإذا صار إلى سنّ البلوغ أخذ في تعليمه أنواع الحرب من رمى السهام ولعب الرمح ونحو ذلك فيتسلم كلّ طائفة معملم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه وإذا ركبوا إلى لعب الرمح ونحو ذلك فيتسلم كلّ طائفة معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب لا يجسر جند ولا أمير أن يحدّثهم أو يدنو منهم فينقل إذن إلى الخدمة وينتقل في أطوارها رتبة بعد رتبة إلى أن يصير من الأمراء فلا يبلغ هذه الرتبة إلا وقد تهذبت أخلاقه وكثرت آدابه وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه واشتدّ ساعده في رماية النشاب وحسن لعبه بالرمح ومرن على ركوب الخيل ومنهم من يصير في رتبة فقيه عارف أو أديب شاعر أو حاسب ماهر هذا ولهم أزمّة من الخدّام وأكابر من رؤوس النوب يفحصون على حال الواحد منهم الفحص الشافي ويؤاخذونه أشدّ المؤاخذة ويناقشونه على حركاته وسكناته فإن عثر أحد من مؤدبيه الذي يعلّمه القرآن أو الطواشيّ الذي هو مسلَّم إليه أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه على أنه اقترف ذنبًا أو أخلّ برسم أو ترك أدبًا من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبة مؤلمة شديدة بقدر جرمه وبلغ من تأديبهم أن مقدّم المماليك كان إذا أتاه بعض مقدّمي الطباق في السحَر يشاور على مملوك أنه يغتسل من جنابة فيبعث من يكشف عن سبب جنابته كان من إحتلام فينظر في سراويله هل فيه جنابة أم لا فغن لم يجد به جنابة جاءه الموت من كلّ مكان فلذلك كانوا سادة يدبرون الممالك وقادة يجاهدون في سبيل الله وأهل سياسة يبالغون في إظهار الجميل ويردعون من جارة أو تعدّى وكانت لهم الإدرارات الكثيرة من اللحوم والأطعمة والحلاوات والفواكه والكسوات الفاخرة والمعاليم من الذهب والفضة بحيث تتسع أحوال غلمانهم ويفيض عطاؤهم على من قصدهم. ثم لما كانت أيام الظاهر برقوق راعى الحال في ذلك بعض الشيء إلى أن زالت دولته في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فلما عاد إلى المملكة رخص للمماليك في سكنى القاهرة وفي التزوج فنزلوا من الطباق من القلعة ونكحوا نساء أهل المدينة واخلدوا إلى البطالة ونسوا تلك العوايد ثم تلاشت الأحوال في أيام الناصر فرج بن برقوق وانقطعت الرواتب من اللحوم وغيرها حتى عن مماليك الطباق مع قلة عددهم ورتب لكلّ واحد منهم في اليوم مبلغ عشرة دراهم ن الفوس فصار غذاؤهم في الغاب الفول المصلوق عجزًا عن شراء اللحم وغيره وهذا وبقي الجلب من المماليك إنما هم الرجال الذين كانوا في بلادهم ما بين ملاح سفينة ووقاد في تنور خباز ومحوّل ماء في غيط أشجار ونحو ذلك واستقرّ رأي الناصر على أن تسليم المماليك للفقيه يُتلفهم بل يُتركون وشؤونهم فبدّلت الأرض غير الأرض وصالت المماليك السلطانية أرذل الناس وأدناهم وأخسهم قدرًا وأشحهم نفسًا وأجهلهم بأمر الدنيا وأكثرهم عراضًا عن الدين ما فيهم إلاّ من هو أزنى من قرد وألص من فأرة وافسد من ذئب لاجرم أن خربت أرض مصر والشام من حيث يصب النيل إلى مجرى الفرات بسواء إبالة الحكام وشدّة عبث الولاة وسوء تصرف أولي الأمر حتى أنه ما من شهر إلاّ ويظهر من الخلل العام ما لا يتدارك فرطه وبلغت عدّة المماليك السلطانية ي أيام الملك المنصور قلاون ستة آلاف وسبعمائة فأراد ابنه الأشرف خليل تكميل عدّتها عشرة آلاف ملوك وجعلهم طوائف فأفرد طائفتي الأرمن والجركس وسماها البرجية لأنه أسكنها في أبراج بالقلعة فبلت عدّتهم ثلاثة آلاف وسبعمائة وأفرد جنس الخطا والقبجاق وأنزلهم بقاة عرفت بالذهبية والزمرذية وجعل منهم جمدارية وسقاة وسماهم خاصكية وعمل البرجية سلاحدارية وجمقدارية وجاشنكيرية وأوشاقية ثم شغف الملك الناصر محمد بن قلاون بجلب المماليك من بلاد أزبك وبلاد توريز وبلاد الروم وبغداد وبعث في طلبهم وبذل الرغائب للتجار في حملهم إليه ودفع فيهم الأموال العظيمة ثم أفاض على من يشتريه منهم أنواع العطاء من عامّة الأصناف دفعة واحدة في يوم واحد ولم يراع عادة أبيه ومن كان قبله من الملوك في تنقل المماليك في أطوار الخدم حتى يتدرب ويتمرن كما تقدّم وفي تدريجه من ثلاثة دنانير في الشهر إلى عشرة دنانير ثم نقله من الجامكية إلى وظيفة من وظائف الخدمة بل اقتضى رأيه أن يملأ أعينهم بالعطاء الكثير دفة واحدة فأتاه من المماليك شيء كثير رغبة فيما لديه حتى كان الأب يبيع ابنه للتاجر الذي يجلبه إلى مصر وبلغ ثمن المملوك في أيامه إلى مائة ألف درهم فما دونها وبلغت نفقات المماليك في كلّ شهر إلى سبعين ألف درهم ثم تزايدت حتى صارت في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة مائتين وعشرين ألف درهم. دار النيابة: كان بقلعة الجبل دار نيابة بناها الملك المنصور قلاون في سنة سبع وثمانين وستمائة سكنها الأمير حسام الدين طرنطاي ومن بعده من نواب السلطنة وكانت النوّاب تجلس بشباكها حتى هدمها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأبطل النيابة وأبطل الوزارة أيضًا فصار موضع دار النيابة ساحة فلما مات الملك الناصر أعاد الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره في نيابة السلطنة فلم تكمل حتى قبض عليه فولي نيابة السلطنة الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره في نيابة السلطنة فلم تكمل حتى قبض عليه فولي نيابة السلطنة الأمير طشتمر حمص أخر وقبض عليه فتولى بعد نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آق سنقر في أيام لملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاون فجلس بها في يوم السبت أوّل صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في شباك دار النيابة وهو اّول من جلس بها من النوّاب بعد تجديدها وتوارثها النوّاب بعده وكانت العادة أن يركب جيوش مصر يومي الأثنين والخميس في الموكب تحت القلعة فيسيرون هناك من رأس الصوة إلى باب القرافة ثم تقف العسكر مع نائب السلطنة وينادى على الخيل بينهم وربما نودي على كثير من آلات الجند والخيم والجركاوات والأسلحة وربما نودي على كثير ن العقار ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية بالإيوان بالقلعة على ما تقدّم ذكره فإذا مثل النائب في حضرة السلطان وقف في ركن الإيوان إلى أن تنقضي الخدمة فيخرج إلى دار النيابة والأمراء معه ويمدّ السماط بين يديه ما يمدّ سماط السلطان ويجلس جلوسًا عامًا للناس ويحضره أرباب الوظائف وتقف قدّامه الحجاب وتقرأ القصص وتقدّم إليه الشكاة ويفصل أمورهم. فكان السلطان يكتفي بالنائب ولا يتصدّى لقراءة القصص عليه وسماع الشكوى تعويلًا منه على قيام النائب بهذا الأمر وإذا قُرئت القصص على النائب نظر فإذا كان مرسومه يكفي فيها أصدره عنه وما لا يكفي فيه إلا مرسوم السلطان أمر بكتابته عن السلطان وأصدره فيكتب ذلك وينبه فيه على أنه بإشارة النائب ويميز عن نوّاب السلطان بالممالك الشامية بأن يعبر عنه بكافل المملكة الشريفة الإسلامية وما كان من الأمور التي لا بدّ له من إحاطة علم السلطان بها فإنه إما أن يُعلمه بذلك منه إليه وقت الإجتماع به أو يرسل إلى السلطان من يعلمه به ويأخذ رأيه فيه وكان ديوان الإقطاع وهو الجيش في زمان النيابة ليس لهم خدمة إلا عند النائب ولا اجتماع إلاّ به ولا يجتمع ناظر الجيش في زمان النيابة ليس لهم خدمة إلا عند النائب ولا اجتماع إلا به ولا يجتمع ناظر الجيش بالسلطان في أمر ن الأمور فلما أبطل الملك الناصر محمد بن قلاون النيابة صار ناظر الجيش يجتمع بالسلطان واستمرّ ذلك بعد إعادة النيابة وكان الوزير وكاتب السرّ يراجعان النائب في بعض الأمور دون بعض ثم اضمحلت نيابة السلطنة في أيام الناصر محمد بن قلاون وتلاشت أوضاعها فلما مات أعيدت بعده ولم تزل إلى أثناء أيام الظاهر برقوق وأخر من وليها على أكثر قوانينها الأمير سودون الشيخيّ وبعده لم يل النيابة أحد في الأيام الظاهرية ثم إن الناصر فرج بن برقوق أقام المير تمراز في نيابة السلطنة فلم يسكن دار النيابة في القلعة ولا خرج عما يعرفه من حال حاجب الحجاب ولم يل النيابة بعد تمراز أحد إلى يومنا هذا وكانت حقيقة النائب أنه السلطان الثاني وكانت سائر نوّاب الممالك الشامية وغيرها تكاتبه في غالب ما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان وكان يستخدم الجند ويخرج الإقطاعات من غير مشاورة ويعين الأمر لكن بمشاورة السلطان وكان النائب هو المتصرّف المطلق التصرّف في كلّ أمر فيراجع في الجيش والمال والخبر وهو البريد وكلّ ذي وظيفة لا يتصرف إلاّ بأمره ولا يُفصل أمرًا معضلًا إلا مراجعته وهو الذي يستخدم الجند ويرتب في الوظائف إلاّ ما كان منها جليلًا كالوزارة والقضاء وكتابة السرّ والجيش فإنه يعرض على السلطان من يصلح وكان قل أن لا يجاب في شيء يعينه وكان من عدا نائب السلطنة بديار مصر يليه في رتبة النيابة وكلّ نوّاب الممالك تخاطب بملك الأمراء إلاّ نائب السلطنة بمصر فإنه يسمى كافل الممالك تمييزًا له وإبانة عن عظيم محله وبالحقيقة ما كان يستحق اسم نيابة السلطنة بعد النائب بمصر سوى نائب الشام بدمشق فقط وإنما كانت النيابة تطلق أيضًا على أكابر نوّاب الشام وليس لأحد منهم من التصرف ما كن لنائب دمشق إلاّ أن نيابة السلطنة بحلب تلي رتبة نيابة السلطنة بدمشق وقد اختلت الآن الرسوم واتضعت الرتب وتلاشت الأحوال وعادت أسماء لا معنى لها وخيالات حاصلها عدم. والله يفعل ما يشاء. جيوش الدولة التركية زيّها وعوايدها اعلم أنه قد كان بقلعة الجبل مكان معدّ لديوان الجيش وأدركت منه بقية إلى أثناء دولة الظاهر برقوق وكان ناظر الجيش وسائر كتاب الجيش لا يبرحون في أيام الخدمة نهارهم مقيمين بديوان الجيش وكانت لهذه الديوان عوايد قد تغير أكثرها ونُسي غالب رسومه وكانت جيوش الدولة التركية بديار مصر على قسمين منهم من هو بحضرة السلطان ومنهم من هو في أقطار المملكة وبلادها وسكان بادية كالعرب والتركمان. وجندها مختلط من أتراك وحركس وروم وأكرد وتركمان وغالبهم من المماليك والمبتاعين وهم طبقات وأكابرهم من له إمرة مائة فارس وتقدمة ألف فارس ومن هذا القبيل تكون أكابر النوّاب وربما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين. ثم أمراء الطبلخاناه ومعظمهم ن تكون له إمرة أربعين فارسًا ولا يعدّون في أمراء العشراوات. ثم جند الحلقة وهؤلاء تكون مناشيرهم من السلطان كما أنّ مناشير الأمراء من السلطان وأما أجناد الأمراء فمناشيرهم من أمرائهم وكان منشور الأمير يعين فيه للأمير ثلث الإقطاع ولأجناده ثلثان فلا يُمكن الأمير ولا مباشروه أن يشاركوا أحدًا من الأجناد فيما يخصهم إلا برضاهم وكان الأمير لا يُخرج أحدًا من أحناده حتى يتبين للنائب موجب يقتضي إخراجه فحينئذ يُخرجه نائب السلطان ويُقيم عند الأمير عوضه وكان لكل أربعين جنديًا من جند الحلقة مقدّم عليهم ليس له عليهم حكم إلاّ إذا خرج العسكر لقتال فكانت مواقف اوربعين مع مقدمهم وترتيبهم في موقفهم إليه ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر أمراء المئني المقدمين من السلطان مائتي ألف دينار جيشية وربما زاد على ذلك وأما غيرهم فدون ذلك يعبر أقلها إلى ثمانين ألف دينار وما حولها. وأمّا الطبلخاناه فمن ثلاثين ألف دينار إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار وأما العشراوات فأعلاها سبعة ألاف دينار إلى ما دونها وأما إقطاعات أجناد الحلقة فأعلاها ألف وخمسمائة دينار وهذا القدر وما حوله إقطاعات أعيان مقدّمي الحلقة ثم بعد ذلك الأجناد بابات حتى يكون أدناهم مائتين وخمسين دينارًا وسيرد تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى وأما إقطاعات جند الأمراء فإنها على ما يراه الأمير من زيادة بينهم ونقص. وأما إقطاعات الشام فإنها لا تقارب هذا بل تكون على الثلثين مما ذكرناه ما خلا نائب السلطنة بدمشق فإنه يُقارب إقطاعه أعلى إقطاعات أكابر أمرا ء مصر المقربين. وجميع جند الأمراء تُعرض بديوان الجيش ويُتبتُ اسم الجندي وحليته ولا يستبدلُ أميرهُ به غير إلا بتنزيل من عوض به وعرضه. وكانت للأمراء على السلطان في كل سنة ملابس ينعم بها عليهم ولهم في ذلك حظ وافر ويُنعم على أمراء المئين بخيول مسرجة ملجمة ومن عداهم بخيول عري ويميز خاصتهم على عامتهم وان لجميع الأمراء من المئين والطبلخاناه والعشراوات على السلطان الرواتب الجارية في كل يوم من اللحم وتوابله كلها والخبز والشعير لعليق الخيل والزيت. ولبعضهم الشمع والسكر والكسوة في كلّ سنة. وكذلك لجميع مماليك السلطان وذوي الوظائف من الجند وكانت العادة إذا نشأ لأحد الأمراء ولد أطلق له دنانير ولحم وخبز وعليق حتى يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة ثم منم من ينتقل إلى إمرة عشرة أو إلى إمرة طبلخاناه بحسب الحظ واتفق للأميرين طرنطاي وكتبغا أنّ كلًا منهما زوج ولده بابنة الآخر وعمل لذلك المهم العظيم ثم سأل الأمير طرنطاي وهو إذ ذاك نائب السلطان الأمير بيلبك الأيدمريّ والأمير طيبرس أن يسألا السلطان الملك المنصور قلاون في الإنعام على ولده وولد الأمير كتبغا باقطاعين ي الحلقة فقال لهما: والله لو رأيتهما في مصاف القتال يضربان بالسيف أو كانا في زحف قدّامي أستقبح أن أعطي لهما أخبازًا في الحلقة خشية أن يقال أعطى الصبيان الأخباز ولم يجب سؤالهما هذا. وهم من قد عرفت. لكن كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله إذا مات الجنديّ أعطى إقطاعه لولده فإن كان صغيرًا رتب معه من يلي أمره حتى يكبر فكان أجناده يقولون: الإقطاعات أملاكنا يرثُها أولادنا الولد عن الوالد فنحن نقاتل عليها. وبه اقتدى كثير من ملوك مصر في ذلك. ولأمراء المقدمين حوائص ذهب في وقت الركوب إلى الميدان ولكلّ أمير من الخواص على السلطان مرتب من السكر والحلوى في شهر رمضان ولسائرهم الأضحية في عيد الأضحى على مقادير رتبهم ولهم البرسيم لتربيع دوابهم ويكون في تلك المدجة بدل العليق المرتب لهم وكانت الخيول السلطانية تفرّق على الأمراء مرّتين في كل سنة مرّة عندما يخرج السلطان إلى مرابط خيوله في الربيع عند اكتمال تربيعها ومرّة عند لعبه بالأكرة في الميدان. ولخاصة السلطان المقربين زيادة كثيرة من ذلك بحيث يصل إلى بعضهم في السنة مائة فرس ويفرّق السلطان أيضًا الخيول على المماليك السلطانية في أوقات آخر وربما يُعطى بعض مقدّمي الحلقة ومن نفق له فرس من المماليك يُحضر من لحمه والشهادة بأنه نفق فيُعطى بدله. ولخاصة السلطان المقرّبين أنعام من الإنعامات كالعقارات والأبنية الضخمة التي ربما أُنفق على بعضها زيادة على مائة ألف دينار ووقع هذا في الأيام الناصرية مرارًا كما ذكر عند ذكر الدول من هذا الكتاب ولهم أيضًا كساوى القماش المنوّع ولهم عند سفرهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأنزال وكانت لهم آداب لا يخلون بها منها أنهم إذا أدخلوا إلى الخدمة بالإيوان أو القصر وقف كل أمير في مكانه المعروف به ولا يجسر أحد منهم ولا من المماليك أن يحدّث رفيقه في الخدمة ولا بكلمة واحدة ولا يلتفت إلى نحوه أيضًا ولا يجسر أحد منهم ولا من المماليك أن يجتمع بصاحبه في نزهة ولا في رمي النشاب ولا غير ذلك ومن بلغ السلطان عنه أنه اجتمع بآخر نفاه أو قبض عليه. واختلف زي الأمراء والعساكر في الدولة التركية وقد بينا ما كان عليه زيّهم حتى غيره الملك المنصور قلاون عند ذكر سوق الشرابشيين وصار زيهم إذا دخلوا إلى الخدمة بالأقبية التترية والكلاوات فوقها ثم القباء الإسلاميّ فوقها وعليه تشد المنطقة والسيف. ويتميز الأمراء والمقدّمون وأعيان الجند بلبس اقبية قصيرة الأكمام فوق ذلك وتكون أكمامها أقصر من القباء التحتانيّ بلا تفاوت كبير في قصر الكم والطول وعلى رؤوسهم كلهم كلوتات صغار غالبها من الصوف الملطيّ الأحمر وتضرّب ويلف فوقها عمائم صغار ثم زادوا في قدر الكلوتات وما يُلفُّ فوقها في أيام الأمير بلبغا الخاصكيّ القائم بدولة الأشرف شعبان بن حسين وعرفت بالكلوتات الطرخانية وصاروا يسمون تلك الصغيرة ناصرية فلما كانت أيام الظاهر برقوق بالغوا في كبر الكلوتات وعملوا في شدّتها عوجًا وقيل لها كلوتات جركسية وهم على ذلك إلى اليوم. ومن زيهم لبس المهماز على الإخفاف ويُعمل المنديل في الحياصة على الصولق من الجانب الأيمن ومعظم حوائص المماليك فضة وفيهم من كان يعملها من الذهب وربما عُمِلَتْ باليشم وكانت حوائض أمراء المئين الأكابر التي تخرج إليهم مع الخلع السلطانية من خزانة الخاص يُرصّعُ ذهبها بالجواهر. وكان معظم العسكر يلبس الطراز ولا يكفت مهمازه بالذهب ولا يلبس الطراز إلا من له إقطاع في الحلقة وأما من هو بالحامكية أو من أجناد الأمراء فلا يكفت مهمازه بالذهب ولا يلبس طرازًا وكانت العساكر من الأمراء وغيرهم تلبس المنوع من الكمخا والخطاي والكبخي والمخمل والإسكندراني والرب ومن النصافي والأصواف الملونة. ثم بطل لبس الحرير في أيام الظاهر برقوق واقتصروا إلى اليوم على لبس الصوف الملوّن في التشاء ولبس النصافي المصقول في الصيف. وكانت العادة أن السلطان يتولى بنفسه استخدام الجند فإذا وقف قدّامه من يطلب الإقطاع المحلول ووقع اختياره على أحد أمر ناظر الجيش بالكتابة له فيكتب ورقة مختصرة تسمى المثال مضمونها حيز فلان كذا ثم يكتب فوقه اسم المستقر له ويناولها السلطان فيكتب عليها بخطه يكتب ويعظيها الحاجب لمن رُسم له فيقبِّلُ الأرض ثم يُعاد المثال إلى ديوان الجيش فيحفظ شاهدًا عندهم ثم تكتب مربعة مكملة بخطوط جميع مباشري ديوان الإقطاع وهم كتاب ديوان الجيش فيرسمون علاماتهم عليها ثم تُحمل إلى ديوان الإنشاء والمكاتبات فيكتب المنشور ويُعلّم عليه السلطان كما تقدّم ذكره ثم يكمل المنشور بخطوط كتاب ديوان الجيش بعد المقابلة على حجة أصله. واستجد السلطان الملك المنصور قلاون طائفة سماها البحرية وهي أن البحرية الصالحية لما تشتتوا عند قتل الفارس أقطاي في أيام المعز أيبك بقيت أولادهم بمصر في حالة رذيلة فعندما أفضت السلطنة إلى قلاون جمعهم ورتب لهم الجوامك والعليق واللحم والكسوة ورسم أني كونوا جالسين على باب القلعة وسمّاهم البحرية وإلى اليوم طائفة من الأجناد تعرف بالبحرية. وأما البلاد الشامية فليس للنائب بالمملكة مدخل في تأمير أمير عوض أمير مات بل إذا مات أمير سواء كان كبيرًا أو صغيرًا طولع السلطان بموته فأمر عوضه إما ممن في حضرته ويخرجه إلى مكان الخدمة أو ممن هو في مكان الخدمة أو ينقل من بلد آخر من يقع اختياره عليه. وأما جند الحلقة فإنهم إذا مات أحدهم استخدم النائب عوضه وكتب المثال على نحو من ترتيب السلطان ثم كتب المربعة وجهزها مع البريد إلى حضرة السلطان فيقابل عليهم في ديوان الإقطاع ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها يُكتب فتكتب المربعة من ديوان الإقطاع ثم يكتب عليها المنشور كما تقدّم في الجند الذين بالحضرة وإن لم يمضها السلطان أخرج الإقطاع لمن يريد. ومن مات من الأمراء والجند قل استكمال مدّة الخدمة حوسب ورثته على حكم الاستحقاق ثم إمّا يُرتَجَعُ منهم أو يطلق لهم على قدر حصول العناية بهم وإقطاعات الأمراء والجند منها ما هو بلاد يستغلها مقطعها كيف شاء ومنها ما هو نقد على جهات يتناولها منها ولم يزل الحال على ذلك حتى راك الملك الناصر محمد بن قلاون البلاد كما تقدم في أوّل هذا الكتاب عند الكلام على الخراج ومبلغه فأبطل عدّة جهات من المكوس وصارت الإقطاعات كلها بلادًا والذي استقرّ عليه الحال في إقطاعات الديار المصرية مما رتبه الملك الناصر محمد بن قلاون في الروك الناصريّ وهو عدة الجيوش المنصورة بالديار المصرية أربعة وعشرون ألف فارس تفصيل ذلك: أمراء الألوف ومماليكهم ألفان وأربعمائة وأربعة وعشرون فارسًا تفصيل ذلك: نائب ووزير وألوف خاصكية ثمانية أمراء وألوف خرجية أربعة عشر أميرًا ومماليكهم ألفان وأربعمائة فارس. أمراء طبلخاناه وماليكهم ثمانية آلاف ومائتا فارس تفصيل ذلك: خاصكية أربعة وخمسون أميرًا وخرجية مائة وستة وأربعون أميرًا ومماليكهم ثمانية آلاف فارس. كشاف وولاة بالأقاليم خمسمائة وأربعة وسبعون تفصيل ذلك ثغر الإسكندرية واحد والبحيرة واحد والغربية واحد والشرقية واحد والمنوفية واحد وقطيا واحد وكاشف الجيزة واحد والفيوم واحد والبهنسا واحد والأشمونين واحد وقوص واحد واسوان واحد وكاسف الوجه البحريّ واحد وكاشف الوجه القبليّ واحد. ومماليكهم خمسمائة وستون. وأمراء العشراوات ومماليكهم ألفان ومائتا فارس تفصيل ذلك خاصكية ثلاثون وخرجية مائة وسبعون أميرًا ومماليكهم ألفان. ولاة الأقاليم سبعة سبعون أميرًا تفصيلهم: أشمون الرّمان واحد وقليوب واحد والجيزة واحد وتروجا واحد وحاجب الإسكندرية واحد واطفيح واحد ومنفلوط واحد ومماليكهم سبعون فارسًا. مقدّموا الحلقة والأجناد أحد عشر ألفًا ومائة وستة وسبعون فارسًا تفصيل ذلك: مقدّموا المماليك السلطانية أربعون مقدّموا الحلقة مائة وثمانون نقباء الألوف أربعة وعشون نقيبًا مماليك السلطان وأجناد الحلقة عشرة آلاف وتسعمائة واثنان وثلاثن فارسًا تفصيل ذلك: مماليك السلطان ألفا مملوك أجناد الخلقة ثمانية آلاف وتسعمائة واثنان وثلاثون فارسًا. عبرة ذلك الخاصكية الألوف والنائب والوزير كلّ منهم مائة ألف دينار وكلّ دينار عشرة دراهم الارتفاع ألف ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال كلّ أردب واحد من القمح بعشرين درهمًا والحبوب كلّ أردب منها بعشرة دراهم ومن ذلك الكلف مائة ألف درهم والخالص تسعمائة ألف درهم. الألوف الخرجية كل منهم خمسة وثمانون ألف دينار كلّ دينار عشرة دراهم الإرتفاع ثمانمائة ألف وخمسون ألفًا بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح فيه من ذلك الكلف سبعون ألف درهم والخالص لكلّ منهم سبعمائة وثمانون ألف درهم.
|